كذلك أيضا نطيع الله تعالى، ونطيع نبيه في كل شيء أمرنا به فإنه من آثار العبادة ومن آثار التقوى، الطاعة الحقيقية لله -سبحانه وتعالى- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ
وقال:
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
.
ورتب الله تعالى على طاعته وطاعة رسوله الأجر الكبير قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
الفوز هو السعادة يعني سُعد سعادة عظيمة عاجلة وآجلة، وقال الله تعالى:
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ
.
فنحرص على أن نحقق الطاعة –طاعة الله وطاعة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وتتمثل في فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، إذا سمعت أمرا من الله تعالى أو من نبيه -صلى الله عليه وسلم- فإنك تقول: سمعنا وأطعنا، أهلا بأمر الله وبأمر نبيه، لا أمر لنا غير أمره قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
فإذا جاء أمر الله تعالى؛ بطلت الخيرة، وبطلت الأوامر الأخرى، فأمر الله مقدم على كل شيء.
هكذا يكون الامتثال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
أي: ليس لهم الخيرة، بل عليهم الامتثال. هذا هو حقيقة الطاعة أي امتثال ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه.
أما الذين يأخذون بعضا، ويتركون بعضا، فهؤلاء لم يمتثلوا أمر الله حقا، يصدق عليهم قولهم: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ
وهذه مقالة اليهود، قصها الله علينا؛ حتى نحذر منها
نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ
وكذلك توعدهم على ذلك بقوله:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
ونعرف أيضا أن في طاعة ربنا سبحانه وطاعة نبيه -صلى الله عليه وسلم- الخير العاجل والآجل خير الدنيا وخير الآخرة؛ ولذلك رتب الله تعالى على الإيمان والعمل الصالح الحياة الطيبة.
يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يعني في الآخرة.
إذا عمل الإنسان العمل الصالح، وكان مع ذلك من المؤمنين أهل العقيدة السليمة وأهل الإيمان الصحيح؛ فهنيئا له الحياة السعيدة الحياة الطيبة، وهذه الحياة الطيبة ليست مجرد أنه يُوَسّعُ عليه في المال، ويوسع عليه في الرزق، وتَكْثُر أمواله وأولاده؛ فإن هذا قد يشترك معه الكفار، والكفار وإن كانوا ذوي سعة في الدنيا؛ فإنهم ليسوا في حياة طيبة.
فالحياة الطيبة حقا هي قرة العيون، قرة عين المؤمن، وسعادته وفرحه بما أمر الله به وبما يسره له، وفرحه بالخير الذي عمل له، فهؤلاء هم أهل الحياة الطيبة، وضدهم أهل الحياة الشقية.
نذكر بعض الأدلة من حال السلف -رحمهم الله- ذكروا أن إبراهيم بن أدهم كان من أولاد الأثرياء ونحوهم، ولكنه تعبد وترك زينة الدنيا، ثم صار يعيش على عيش شظف، ومعيشة متطرفة بمعنى أنه يرضى بخشونة العيش حتى كان يتقوت بيابس الخبز، الخبز اليابس ويشرب عليه ماء، ومع ذلك يقول: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
تلذذ بالعبادة، وتلذذ بالطاعة، ووثق بربه أنه سيرزقه؛ فوفقه الله تعالى وأحياه حياة طيبة، هو يقول: لو أن الملوك شعروا بما نحن فيه من لذة الطاعة والعبادة لجالدونا على ما نحن فيه، ولزهدوا في ملكهم، ولزهدوا في زينتهم وزهرة حياتهم.
وذكر أنه اشتكى إليه بعض أتباعه وتلامذته، شدة الجوع، لم يكن لهم قوت فاشتد عليه الجوع؛ فنظم له بيتين قال في الأول:
أنا حامـد أنـا شاكر أنـا ذاكـر | أنـا جائع أنـا حاسر أنـا عـار |
هـي ستـة وأنا الكفيل بنصفهـا | فكـن الكفيل بنصفهـا يـا بـار |